الجزائر تُسلّم 25 معتقلا مغربيًا عبر المعبر الحدود "زوج بغال" كانوا في سجونها بتهم "مُضخمة".. ومصير مجهول لأكثر من 550 آخرين

 الجزائر تُسلّم 25 معتقلا مغربيًا عبر المعبر الحدود "زوج بغال" كانوا في سجونها بتهم "مُضخمة".. ومصير مجهول لأكثر من 550 آخرين
الصحيفة - خولة اجعيفري
السبت 6 دجنبر 2025 - 21:00

أفرجت السلطات الجزائرية عن 25 شابا مغربيا كانوا معتقلين بتهم تتعلق بالهجرة غير النظامية، بينما يبقى أكثر من 550 مغربيا خلف أسوار السجون أو محتجزين في مراكز الترحيل الإدارية، وفق معطيات حقوقية مغربية.

وبينما تتوالى شهادات المفرج عنهم حول ظروف اعتقال قاسية ومحاكمات سريعة، تتصاعد مخاوف الجمعيات من بقاء مئات الملفات بلا جواب، في سياق حدود مغلقة وتوتر سياسي يجعل من مصير هؤلاء ورقة معلّقة لا تجد طريقها إلى الحل.

وعادت حافلة صغيرة الخميس الماضي لتقطع الطريق نفسها بين المعبر الحدودي المغلق سياسيا بين المغرب والجزائر، حاملة هذه المرة 25 شابا مغربيا أنهوا فصولا ثقيلة من الاعتقال والمحاكمة في سجون الجزائر.

فعلى الورق، تبدو الخطوة "إيجابية" دفعة جديدة من المفرج عنهم، بعد أشهر من النداءات والوساطات، لكن في كواليس هذا الملف، وفي سجلات جمعية مغربية صغيرة في وجدة تتكشف صورة أخرى تفيد بأن أكثر من 550 ملفا ما زالت "عالقة" في السجون الجزائرية، فيما تُقدَّر أعداد السجناء بما يقارب 700 مغربي، بين محكومين بالمؤبد ومدانين بعقوبات طويلة، وآخرين في الحبس الاحتياطي أو رهن الاعتقال الإداري في انتظار ترحيل لا يأتي.

وقد أفرح عن 25 مرشحا للهجرة غير النظامية الخميس 4 دجنبر، لكن الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة (AMSV)، المتمركزة في وجدة، سارعت إلى التذكير بأن ما جرى "لا يمثل سوى جزء صغير من معاناة ممتدة" إذ تتابع حاليا 158 شخصا في طور الترحيل، بينما لا يزال أكثر من 550 ملفا قيد المعالجة في الضفة الأخرى من الحدود.

وخلف هذه الأرقام الباردة، يختبئ ملف إنساني وسياسي في آن واحد، فالحديث هنا عن مغاربة دخلوا التراب الجزائري كعمال بسطاء أو كـ"حراكة" في طريقهم إلى أوروبا، فوجدوا أنفسهم متابعين بقانون الهجرة 08–11، أو في قفص الاتهام في قضايا "الاتجار بالبشر" و"تبييض الأموال" و"الهجرة السرية" قبل أن يتحولوا إلى ورقة معلقة في سياق قطيعة دبلوماسية وحدود مغلقة منذ عقود.

وفي قاعات صغيرة ببني ملال ووجدة ومدن أخرى، بدأت تتضح أكثر خلال 2025، وذلك في لقاء نظمه "شبكة الصحافيين المغاربة للهجرة" في أكتوبر ببني ملال، حيث عرض رئيس الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة، الحسن عماري لوحة صادمة تفيد بأن 682 مغربيا معتقلين في السجون الجزائرية، أغلبهم من جهة بني ملال–خنيفرة، تليها جهة الشرق ومن بين هؤلاء خمسة محكومين بالمؤبد، و13 شخصا بعقوبات بين 20 و25 سنة و14 آخرين بـ10 سنوات بينما يوجد 173 في لائحة من يُنتظر ترحيلهم بعد قضاء العقوبة أو انتهاء مدة الحبس الإداري.

وفي القاعة نفسها، كانت الأرقام تمتزج بحكايات الأمهات والآباء كثيرون منهم لم يكونوا يعرفون حتى تلك اللحظة إن كان أبناؤهم أحياء أم لا بعضهم اكتشف، عبر الجمعية أن الابن الذي "اختفى" في 2021 أو 2022 موجود في سجن جزائري على الحدود أو في الداخل، وأنه جُرِّد لسنوات من حقه في الاتصال بأسرته أو توكيل محامٍ للدفاع عنه.

وهذه المعاناة لم تبدأ اليوم فمنذ دجنبر 2023، وثقت تقارير حقوقية نداءات "أمهات المهاجرين" أمام مقر بلدية وجدة، حيث خرجت نساء يحملن صور أبنائهن المفقودين على "الطريق الجزائرية" وطالبن بإطلاق سراحهم أو على الأقل، كشف مصيرهم.

في ذلك الوقت، شددت الجمعية في أكثر من وثيقة على أن هؤلاء الشباب يُتابَعون بمقتضى قانون الهجرة الجزائري 08–11، الذي تعتبره "متعارضا مع المواثيق الدولية" وأن كثيرين منهم يتعرضون لـ"أشكال من العنف النفسي والجسدي والحرمان من التواصل مع أسرهم".

وعلى الجانب الآخر من الحدود، تحمل المعابر البرية أسماء تبدو تقنية وحيادية "زوج بغال" في الواجهة المغربية، و"عقيد لطفي" في الجهة الجزائرية لكن وراء هذه الأسماء جرى في السنوات الأخيرة تمرير موجات متتالية من المفرج عنهم، في عمليات "فتح استثنائي" لحدود أغلِقت رسميا منذ 1994.

في 30 دجنبر 2024، فتحت الجزائر المعبرين بشكل استثنائي لترحيل 60 مغربيا نحو المملكة بعد قضاء ثلاث سنوات في السجن وسنة إضافية في الاعتقال الإداري، وفق رواية الجمعية في ذلك الحين، أكدت أن 480 مغربيا ما زالوا خلف القضبان، وأن جثامين ستة سجناء مغاربة لا تزال في مستودعات أموات جزائرية تنتظر إجراءات الترحيل.

وفي يناير 2025، أعيد فتح "زوج بغال" مرة أخرى لاستقبال 36 شابا مغربيا أفرجت عنهم السلطات الجزائرية بعد إدانتهم بمحاولة "الهجرة غير النظامية" سبقها بأيام قليلة تسليم 36 آخرين عبر المعبر نفسه، وكثيرون منهم من فاس ووجدة وتازة وتاونات وجرسيف والرباط وميدلت وبني ملال وتطوان، وبعضهم قضى أكثر من خمسة أشهر في الاعتقال الإداري، في ظروف تنتقدها المنظمات الحقوقية.

وفي فبراير 2025، تم إعادة 31 شابا مغربيا، بينهم شابة واحدة بعد أن أنهوا عقوباتهم السجنية، مع التنبيه إلى أن "مئات آخرين ما زالوا في الاعتقال الإداري أو في الحراسة النظرية في انتظار الترحيل".

هذه الجسور الاستثنائية التي تُفتح ليوم أو يومين ثم تُغلق، تجعل من ملفات السجناء المغاربة في الجزائر رهينة ترتيبات تقنية معقدة، تتداخل فيها الأجهزة الأمنية والقضائية في البلدين والمنظمات الدولية، وأحيانا اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي زارت بعض مراكز الاحتجاز الجزائرية سنة 2024 لمعاينة أوضاع السجناء المغاربة لكن إذا كانت عمليات الترحيل المتقطعة تُشكّل جرعات أمل للعائلات، فإنها لا تمحو صورة أوسع عن شروط الاعتقال والمتابعة.

ففي رسائل موجهة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومسؤولين جزائريين في 2024، وصفت الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة ظروف احتجاز هؤلاء بأنها "غير ملائمة" مشيرة إلى تعرض السجناء لـ"إهانة" وحرمان من التواصل مع عائلاتهم، وإحالتهم على المحاكم "في ظروف صعبة دون تمكينهم من الدفاع ومن حقهم في مؤازرة محامٍ".

وتضيف الشهادات، أن العديد من هؤلاء السجناء كانوا عمالا يدويين في ورش البناء أو صناعة الجبس والزليج، استقروا في الجزائر بحثا عن فرص عمل في سوق شغل كان مفتوحا نسبيا أمام شباب الشرق والريف قبل أن تؤدي أزمة العلاقات بين الرباط والجزائر وإلغاء الرحلات الجوية وإغلاق الأجواء أمام الطيران المغربي، إلى تحويلهم إلى أكثر الفئات هشاشة، معرضين في لحظة واحدة للسجن أو الترحيل أو انقطاع السبل.

وتشير الجمعية إلى أن السلطات الجزائرية لا تميز، في كثير من الحالات، بين ضحايا شبكات الاتجار في البشر وبين المنتمين فعلا لهذه الشبكات، إذ قد يجد شاب وافد من بني ملال أو وجدة نفسه متابعا في ملفات تتعلق بالمخدرات أو الحبوب المهلوسة، لمجرد أنه كان في القارب الخطأ أو في الشاحنة الخطأ، بينما تظل الشبكات الحقيقية غالبا بعيدة عن المتابعة.

في وجدة، المدينة الحدودية التي تحولت منذ بداية الألفية إلى "غرفة انتظار" للمهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء والمتجهين إلى أوروبا، برزت الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة كفاعل رئيسي في هذا الملف فمنذ سنوات، راكمت هذه المنظمة الصغيرة سجلات دقيقة حول المفقودين والمعتقلين، وساهمت وفق أرقامها في ترحيل أكثر من 1,190 مغربيا من الجزائر، إضافة إلى عشرات الآخرين من ليبيا وتونس، فضلا عن العمل على استرجاع 41 جثمانا لمغاربة توفوا في السجون أو في طريق الهجرة.

وفي مارس 2024 خلال جمعها العام، أعادت الجمعية التأكيد على أن "المهاجرين ليسوا أرقاما"، بل "وجوه وعائلات وذكريات" وقررت تغيير اسمها بشكل رسمي إلى "الجمعية المغربية لمساعدة المهاجرين في وضعية صعبة – المغرب"، مع انتخاب مكتب جديد يؤكد استمرار الاشتغال على هذا الملف كأولوية.

إلى جانب التوثيق الميداني، اعتمدت الجمعية استراتيجية ترافع متعددة المستويات بما فيها رسائل مفتوحة إلى وزيري الداخلية والعدل في الجزائر تطالب بعفو عام عن المهاجرين والعمّال المغاربة، مراسلات إلى الصليب الأحمر، حضور في مؤتمرات دولية حول الاختفاء القسري في جنيف، وتنظيم وقفات رمزية في وجدة ومدن أخرى تستحضر معاناة "أمهات الطريق الجزائرية"

التحرك الأخير، يتمثل في إعداد مراسلة جديدة إلى المسؤولين الجزائريين بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، للمطالبة بتوضيحات حول مصير المفقودين وتسريع إجراءات استرجاع جثامين المتوفين، موازاة مع سلسلة لقاءات مرتقبة مع مؤسسات إقليمية ودولية لوضع الملف على جدول أعمالها.

على المستوى البنيوي، يجد هذا الملف نفسه عالقا في قلب توتر سياسي مزمن فمنذ أزمة 1994، حين أغلقت الجزائر حدودها البرية مع المغرب، تحوّل أي عبور سواء للأحياء أو للأموات إلى استثناء يحتاج إلى إذن خاص وترتيبات ثقيلة وهذا الوضع تعقّد أكثر بعد قرار الجزائر في 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، وإغلاق أجوائها أمام الطائرات المغربية، ما جعل حتى حركة المسافرين العاديين تمر عبر دول وسيطة مثل تونس.

في هذا السياق، تصبح عملية ترحيل 25 شابا من سجون الجزائر إلى المغرب تمرين دبلوماسي وأمني في منطقة حيث الحدود خط صدّ سياسي واستراتيجي وفتح مؤقت لمعبر "زوج بغال" ترافقه رسائل سياسية متبادلة وتصريحات رسمية وإعلامية، ثم عودة سريعة إلى الصمت بينما يبقى مئات السجناء وعائلاتهم خارج الكاميرا.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...